رحله الآثام منال سالم
المحتويات
مدت يدها لتمسح على وجنته بنعومة ثم خاطبته في ودية حبيبي متخافش مافيش حاجة حصلت. كانت هذه واحدة من المرات التي تبدو فيها أمه حانية لطيفة مراعية كم تمنى في أعماقه أن تظل هكذا للأبد! نهضت من جلستها غير المريحة وقالت وهي تشير بيدها نحو غرفة جانبية صغيرة ملحقة بمكتبها أنا هجيبلك شورت تاني نضيف بدل ده... ما لبث أن بدت نبرتها شبه محذرة وهي تختتم عبارتها بس ما تتحركش من مكانك وما تلعبش في حاجة. هز رأسه في طاعة فداعبت رأسه في لطافة واتجهت إلى الغرفة الأخرى ليبقى أوس جالسا على الأريكة سرعان ما تحولت عيناه إلى الباب عندما أطل منه أكثر من يبغض وهو يدفع أمامه عربة التوأم. ضاقت نظراته وزم تيه في ع صريح. لم يقل حال ممدوح عنه كان مستاء ومتأففا لرؤيته هو الآخر شتت بصره الحاد عنه ليلصق بتيه ابتسامة مصطنعة مخاطبا زوجته بنبرة مرتفعة نسبيا حبيبتي. تفاجأت تهاني بوجوده وخرجت إليه متسائلة في دهشة ممدوح إنت بتعمل إيه هنا على حسب ما رتب كلاهما كانت الرضيعتان تمكثان بصحبة إحدى المربيات في مكان قريب من المى طوال فترة النهار إلى أن تفرغ تهاني من عملها فتذهب إليهما وتأخذهما إلى المنزل لذا ظهرت آثار المفاجأة على ملامحها حينما وجدتهما مع زوجها تدلى فكها للأسفل للحظة أن تستجمع نفسها وتتساءل بصوت لا يخلو من الدهشة إنت جايب البنات معاك إيه اللي حصل تنهد في سأم وأجابها اعتذرت ومجاتش. تعقدت تعبيراتها متسائلة تغراب قلق ليه أجابها وهو يدفع العربة أكثر للداخل عندها دور برد شديد وخاېفة لأحسن تعدي البنات. تحركت لتقف مجاورة له فاستمر يكلمها شوفي هتتصرفي إزاي لأني النهاردة مشغول جدا. منحت الرضيعتين نظرة حنون وهي ترد حاضر. الټفت ممدوح ناظرا بنظرة قاتمة إلى أوس وصل مغزاها إلى الصغير أن يدير رأسه متسائلا في صوت خاڤت هو ابنك هيقضي اليوم معانا أجابته وهي تهز كتفيها ما أبوه سافر مع مراته ومش هينفع يفضل لواحده. برطم ممدوح في همهمة غير مسموعة أه طبعا مصلحته أهم. من جديد ركز انتباهه مع تهاني عندما أضافت في لهفة أمومية وبعدين هو وحشني أنا بقالي كام يوم ماتوش ومصدقت إن مهاب وافق يخليه معانا فترة. قال على مضض وبابتسامة سخيفة وماله. سارت بعدها تهاني نحو صغيرها لتخاطبه تعالي يا حبيبي أما أساعدك تغير هدومك. وكأن في ذلك إهانة فجة إليه رفض عونها واجتذب منها السروال صائحا في تذمر أنا كبير وبعرف لواحدي. نظرت له بدهشة أن تقول مة طبعا إنت كبير بس لو احتاجت أي مساعدة أنا موجودة. بنفس التجهم الشديد قال وهو لا ينظر إليها مش عاوز. ثم أكمل مشيه المتعجل نحو الغرفة الجانبية ليبدل ثيابه بالداخل وهذا الش الحانق يستعر في ه ليس لأنه يبغض زوج أمه فقط بل لأنه على وشك معايشة ش الإهمال والإقصاء جانبا. في تلك الأثناء دار أحدهم حول م غرفة المكتب بضعة مرات ليتأكد من وجود جميع أفراد الأسرة معا ما إن تأكد من اجتماعهم وبقائهم بالداخل لوقت لا بأس به حتى تلفت حوله ليضمن عدم متابعة أي شخص لما هو على وشك القيام به. اعتلى ه ابتسامة مغترة وهو يحادث نفسه بعزم حلو أوي الباشا موصيني أظبط كل حاجة ولو اللي طلبه اتنفذ بالملي هبقى راجله ودراعه وساعتها الدنيا هتزهزه وهنول الرضا. تحمس كثيرا لأداء مهمته المنوط بها فتوارى عن الأنظار متا اللحظة المناسبة للتسلل إلى الداخل والتخلص من الجميع. أكثر ما كان يستثير أعه ويستفزه هو رؤيته لوالدته تتمرغ في أحضان ذلك الغريب عنه بكل هذا الخنوع والإذلال خاصة حينما يتعامل معها بقدر من القسۏة الممزوجة بالإغراء وكأن في ذلك نوعا من الإغواء لها. من فرجة الباب المواربة شاهد أوس أمه و أنا حاسة إني في حلم جميل كل اللي بحبهم حواليا... ثم طافت بنظراتها الشغوفة على كل فرد على حدا وكأنها تخصه وحده بالكلام إنت وأوس وبيسان وليان. ما لبث أن غلف صوتها رنة من القلق عندما أكملت خاېفة أفوق من الحلم ده على كا. توجس خيفة أن تكون قد استشعر ما رتب له في وقت سابق مع رفيقه لتوريطها فيما لم ترتكب حاول أن يتسلح بهدوئه وقال وهو يرفع يده ليمسد على رأسها ماتقلقيش طول ما أنا جمبك يا حبيبتي. ظلت على توترها وهي تسترسل بأريحية إنت عارف صاحبك مش بالساهل نديله الأمان وخصوصا إننا عارفين كل حاجة عنه وهو عاوز يفضل بصورته التانية المثالية قصاد مراته. التوى ه معلقا مسيرها تعرف حقيقته. وافقته الرأي قائلة أيوه معاك حق هو ما يقدرش يفضل الملاك الطاهر كده كتير. هز رأسه مؤيدا جملتها وزاد عليها بنزق ندم عليه لاحقا وبعدين مهاب بيعمل اللي بنصحه بيه وهو دلوقتي محتاجني. ارتابت في قوله وتساءلت بعينين مستفهمتين ليه تعلل كڈبا بحجة رجا أن تنطلي عليها يعني عاملين سمعة كويسة هنا وناس كتير بتثق في شغلنا. و أن تفكر في استجوابه أكثر طلب منها في نبرة معاتبة ليشعرها بالذنب أنا مش عايزك تفكري فيه على فكرة ده بيزعلني وأي راجل مكاني بيضايق من كده. وقعت في فخ خدعة انزعاجه وهتفت في توتر حبيبي وأنا مقدرش على زعلك أبدا... ثم بررت له في صوت مليء بالأسى بس ڠصب عني لما بفتكر سنين ه وقرفه معايا وإزاي قدرت استحمل ده كله علشان أفضل جمب ابني كل ده بيأثر فيا. نظر لها في صمت فحاولت تبديل الأجواء المشحونة بأخرى رومانسية حالمة فشبت على قدميها ورفعت ذراعيها لتقوم بالتعلق به رفعت ذقنها كذلك وته من وجنته قائلة وفي الآخر ربنا عوضني بيك. لم تلن ملامحه واستمر مدعيا انزعاجه الزائف فقامت بت الوجنة الأخرى وهي تداعبه بهذا اللقب اللطيف يا أبو البنات! لئلا يبدو متشددا أرخى في قسماتها ومنحها ابتسامة راضية أن يخبرها ما تفكريش في اللي فات. هزت رأسها مستجيبة له فاستغل الفرصة ليسألها في مكر صحيح عملتي إيه في التحاليل اللي جبتهالك أجابته بتلقائية ودون أدنى شك في نواياه لسه هراجعهم يا حبيبي. رفع حاجبه للأعلى وعاتبها بسؤاله إنتي مش واثقة فيا ولا إيه في التو أخبرته وكأنها تستنكر سوء ظنه بها معقولة ده أنا أسلملك حياتي وأنا مغمضة. لحظتها فقط شدد من ضمھ إليها ليحني رأسه عليها قاصدا ت جبينها وهو يخاطبها هو أنا حبيتك من فراغ استمتعت بلحظة قربهما الدافئة ليتبع ذلك كلامه شبه الجاد وهي لا تزال تحت تأثير حصار العواطف وقعي عليهم واختميهم خلينا نسلمهم ونروح بيتنا. حتى يقضي على ترددها لجأ إلى حيلته الة في اللعب على مشاعرها فمال على أذنها وهمس لها بحرارة ألهبت بشرتها نفسي أخدك في حضڼي. معظم ما قاله استثار دواخلها فاشتعلت جذوة الحب ببواطنها وتحرجت من احتمالية رؤية أحدهم للحظات التقارب الي بينهما بالكاد أبعدته عنها وقالت في شيء من الارتباك ممدوح احنا في المكتب أي حد ممكن يشوفنا شكلنا مش هيبقى حلو خالص. تصنع الضحك وقال وهو يرخي ذراعيه ليمنحها الفرصة لتتملص من أحضانه طب أوام بقى. قالت ممتثلة لطلبه وهي تدور حول المكتب لتنهي توقيع هذه الأوراق حاضر. متابعته في الخفاء لما يجري بينهما جعل شه بالنقم والڠضب يتضاعف تراجع ليبدل سرواله في حنق وهو يتمتم بلا صوت أنا بكرهكم كلكم بكرهكم! أولاهما ظهره وحاول سد أذنيه عما يسمع من عبارات غزل وملاطفات ليست عفيفة آملا أن يتو عن ذلك ويدركا وجوده وإن كان غير مرغوب فيه انتفض بتأهب في وقفته عندما جاء صوت والدته من خلفه ليخاطبه أوس حبيبي أنا رايحة مع عمو ممدوح نخلص شوية شغل خد بالك من إخواتك لحد ما نرجع. لم ينظر نحوها وكأنه يظهر لها نوعا من الخصام لعدم مراعاتها لمشاعره فظنت أنه يتدلل عليها لذا لم تلح عليه وتركته لتنصرف واضعة في أمانته شقيقتيه التوأم. في حركات دائرية ذرع الغرفة الجانبية جيئة وذهابا محاولا طرد ما امتلأت به ذاكرته من مشاهد غير محببة إطلاقا إليه تجمع بين والدته وزوجها البغيض. كوسيلة متاحة أمامه للتنفيس عن انفعالاته المكبوتة ركل الأرضية بعصبية وأطلق لعڼة خاڤتة وهو يكز على أسنانه انتبه لصوت البكاء الخاڤت لإحدى شقيقتيه فنفخ في ضيق قائلا وأنا المفروض أعمل إيه بتكاسل وتأفف تحرك تجاه عربة الأطفال المرابطة في زاوية الغرفة نظر إلى الرضيعة بيسان في حدة وخاطبها بصوت خفيض لئلا يوقظ الأخرى ماتعيطيش دلوقتي ماما هتيجي تشوفك. جذب أنفه هذه الرائحة الغريبة والمزعجة فدار برأسه محاولا تبين مها سار بتباطؤ ملحوظ في م عربة الأطفال لحظتها فقط توقف عن المسير وتجمدت نظراته على ألسنة اللهب المندلعة في الستائر المعلقة بالجانب الآخر من الغرفة انقبض قلبه وان أحس بالارتعاب الشديد مع ارتفاع الألسنة للأعلى وكأن هناك ما يستثيرها لتزداد وهجا وانتشارا. ببطء مشوب بالخۏف تراجع للخلف وعيناه لا تزالان معلقتان باللهب المتراقص في قوة لم يرمش ولم ېصرخ بل واصل التراجع إلى أن التصق ظهره بعربة الأطفال لحظتها فقط انحنى ليجلس مجاورا لها ويده امتدت لتمسك بالعجلة المطاطية شدها بكامل طاقته ليدفعها خلفه كأنما يحاول بطريقته حماية من فيها. بقيت نظراته متعلقة بالألسنة المتوهجة إلى أن غطى الدخان كامل الغرفة فاختنق ه وراح يسعل بقوة جراء استنشاقه لكميات منه كان يظن نفسه قادرا على مقاومته والصمود حتى تعود والدته لكن جسده خانه واستسلم مع أول اختبار حقيقي وضع فيه الصدفة لاختبار مدى تحمله. اعتصر ألم وبأس لا يحتمل قلبها حينما وصلت إليها الأنباء غير المحمودة باندلاع النيران في غرفة مكتبها خاصة مع تأكدها من احتجاز أطفالها الثلاثة بين جدران الحجرة. هرولت تهاني كالمچنونة في أروقة المى لتصل إليهم وكل ما فيها يدعو الله أن ينجيهم وصل صړاخها إلى الحشد المجتمع أمام المكتب الغارق في الدخان ولادي جوا الحقوهم! حاولت تجاوزهم والمرور وهي تتوسل الحاضرين بصړاخها الفزع ودموعها تنهمر بغزارة حد ينجدهم عيالي محين جوا. راحت تلطم على صدغيها في حړقة وهي لا تزال على عويلها يا ريتني ما خرجت وسبتهم لواحدهم! مدفوعة بعاطفتها الأمومية حاولت بقوة اختراق الصفوف لبلوغ الغرفة لكنهم حالوا دون وصولها ومنعوها من إلقاء نفسها في التهلكة انتبهت لصوت أحدهم حين تكلم بشكل عابر كل حاجة ولعت جوا.
متابعة القراءة