رحله الآثام منال سالم
المحتويات
بعد أيام من الشقاء والحزن لم يتوقف عوض عن ترديد عبارات الشكر والتضرع للمولى حتى خرج من المسجد يريد أن يطلع زوجته على الأنباء السارة. دون ميعاد مسبق التقى به في غرفة مكتبه بمسكنه ليشاركه تناول المشروب ويدعي كذلك تباهيه بما اعتبره إنجازا جديدا في تطور ته ب تهاني. ملأ ممدوح كأسه بالمزيد من هذا النوع الفاخر من الخمر ووضع مكعبات الثلج فيه ليحمله مع الآخر الذي أعده لرفيقه ممتدحا تصرفه وهو يقترب من الأريكة ليجاوره في جلسته المسترخية إنت جبار يا مهاب حقيقي ماشوفتش في حياتي حد زيك. وضع الأخير ساقه فوق الأخرى بتفاخر وعقب بإيجاز وهذه النظرة المغترة تلمع في حدقتيه ولسه! تجرع قدرا كبيرا من الخمر بلعه دفعة واحدة وواصل الكلام واحدة غيرها كان زمانها خلصت على نفسها عشان تترحم منك ومن اللي بتعمله فيها. ضحك في زهو فأكمل ممدوح على نفس النهج المادح دايما بتبهرني بأسلوبك. أشار له مهاب بكأسه الذي يقبض عليه بيده وقال اتعلم من الأستاذ. كان ممدوح على وشك النطق بشيء لكن الطرقة الصغيرة على الباب جعلته يتوقف وينظر إلى حيث أطلت المربية الأجنبية أومأت برأسها في خفة وأبدت اعتذارها اللبق قائلة ا للمقاطعة سيدي... سمح لها مهاب بالكلام فأوضحت بقليل من الضيق لكن أوس يرفض تناول طعامه ولا يكف عن مناداة والدته. الټفت ممدوح برأسه لينظر إلى رفيقه متفرسا بتدقيق في ملامحه رأى كيف غامت تعبيراته وكساها الوجوم أخفض مهاب كأسه الفارغ وأمرها استدعيه إلى هنا. ردت في طاعة أن تغادر مسرعة لتحضره كما تأمر سيدي. في نوع من الفضول تساءل ممدوح بخبث هتعمل معاه إيه أن يفكر في إجابته اقترح عليه دون تفكير أنا من رأيي تألف أي حكاية تضحك بيه عليها وتريح دماغك ما إنت مش هتخلص من زن العيال. لم يعلق عليه مهاب بكلمة فاستمر يضيف بنزق أو الأحسن إنك تبعته مدرسة داخلي. نظر له رفيقه بجمود أن يحذره بصوت غير متساهل موضوعه مايخصكش. استشعر تحفزه من صوته فتراجع ضاحكا ضحكة مكشوفة ليعلل بعدها بسخافة أنا بفكر معاك بصوت عالي. تحول بناظريه تجاه الباب عندما اقتحم الصغير أوس الغرفة ركضا توقف أمام أبيه متسائلا دون تمهيد فين ماما ال مهاب في جلسته المسترخية وأنزل ساقه لينظر إليه من مستواه أن يضع قبضتيه على كتفيه مجيبا إياه مسافرة. في عناد طفولي رفض تصديق كذبته هاتفا بصوت منفعل لأ أنا عاوزها خليها ترجع. عامله بهدوء تام وقال بعدين يا أوس أنا عاوزك تسمع الكلام وتاكل. رفض الإصغاء إليه كليا أو حتى الاقتناع بما فاه به وركل بقدمه الأرض في عصبية مواصلا الصړاخ لأ إنت مشيتها من هنا أنا عاوزها. ضجر ممدوح مما اعتبره تدللا لزجا وصاح فيه بصوت أجش كفاية صداع يا ابني هي مش راجعة تاني حط ده في دماغك. حينئذ تحولت نظرات أوس إليه وحدجه بكراهية صريحة أن يتدخل والده لينهره عن التدخل فيما لا يعنيه وخاصة شأنه مع ابنه بقوله الصارم ممدوح! ماتدخلش! تلبك من إحراجه بهذا الشكل السافر وأمام من ابنه الذي لا يتجاوز طوله منتصف ه رسم ابتسامة متكلفة على ه مرددا بتبرير أنا حبيت أساعد. كرر عليه رفيقه بتصميم شديد اللهجة دي حاجة تخصني مع ابني! نهض من جواره بوجه منقلب وهتف بع مصحوب بنظرة ڼارية مسلطة على أوس تحديدا اللي تشوفه. النظرة الجادة في عيني مهاب مع نبرته الهادئة كانتا وسيلته لإقناع صغيره بالتخلي عن عناده الطفولي فاستطرد على مهل بص يا حبيبي يومين وماما هترجع تاني بس عشانها غلطت وزعلت بابا جامد فاحنا مخاصمينها كام يوم فما ينفعش إنت كمان تزعلني! عاوزك تسمع الكلام وتاكل وأنا بنفسي هجيبها لحد عندك اتفقنا بعد لحظة من الصمت المت اكتفى أوس بهز رأسه بالموافقة فاستحسن والده ردة فعله وقال في مدح برافو عليك. أخذه إلى حضنه وهمس له بشيء في أذنه لم يتمكن ممدوح من سماعه أو تفسيره بوضوح ليخاطب بعدها مهاب المربية بلهجته الآمرة انتبهي إليه جيدا. ردت مة سمعا وطاعة. ثم ضمت الصغير من كتفيه واصطحبته إلى الخارج ونظرات ممدوح عليهما حتى غابا عن المشهد ليقهقه هازئا وهو يعيد ملء كأسه بالخمر حتى ابنك عرفت تضحك عليه! تأمله مهاب مليا وبنظرة غامضة أن يرد عليه ومين قالك كده توقف أن يرفع الكأس إلى فمه متسائلا في ذهول مندهش معقولة هترجع تهاني تاني ومضت فكرة جهنمية في رأسه وأبت أن تبارح عقله بسهولة كل ما فكر فيه لحظتها هو تطبيقها لهذا أجابه مؤكدا ترخاء واضح عليه أيوه. رغم أن سنوات الصداقة بينهما ممتدة إلا أنه لم يستطع سبر أغوار ما يدور في رأسه بسهولة تحرك ممدوح صوبه مرددا في استغراب حائر إنت غريب بجد وأنا مابقتش فاهمك بصراحة. ترك حيرته تأكله فاغتاظ من تجاهله المستفز وسأله في تبرم وهو يعاود الجلوس على الأريكة لما إنت هتردها تاني ليه من الأساس طلقتها بدا مهاب لحظتها وكأن نظراته شردت بعيدا متذكرا الشجاعة التي كانت عليها في مواجهته ليقول بعدها بربيها أو تقدر تقول بكسر مناخيرها وأذلها أكتر. ظل رفيقه يتابعه بعينين تعكسان تعجبه من موقفه ومهاب لا يزال يتكلم مش عاوزها في يوم تشوف نفسها عليا. علق عليه ممدوح مشيرا بيده إنت بكده بتعقدها في حياتها! نظر تجاهه واستطرد ساخرا بكلمات مبطنة كان متأكد أن مغزاها وصل إليه كاملا كفاية الدلع اللي شايفاه على إيدي. تصنع الضحك وأخبره غامزا بعينه وإنت سيد مين يدلع .. بالكرباج! ضغط على كلمته الأخيرة ليشير إلى ته ووحشيته في التعامل مع زوجته وإھانتها دوما. ابتسم مهاب في فخر ورد بالظبط. دون كلام عرض ممدوح على رفيقه إعادة ملء كأسه بالمشروب فوافق وأعطاه له نهض للمرة الثالثة ليعبئ الكأس مستطردا في مكر بقولك إيه أنا محتاج قرشين كده أمشي بيهم أموري. وسد مهاب ذراعه خلف رأسه ليستريح عليه وسأله مستفهما ناوي على صيدة جديدة التف ناظرا إليه وهو يؤكد له شكوكه يعني حاجة زي كده والفلوس اللي معايا خلصت. وقتئذ قام مهاب وا واتجه إلى الخزانة الموضوعة بجوار المكتب على طاولة صغيرة مستقلة فتحها بمفتاحها الذي أخرجه من جيب بنطاله وأخرج من رزم الأوراق النقدية اثنتين ألقاهما على سطح مكتبه في إهمال ثم أشار لهما قائلا بلهجة بدت آمرة خد دول. لم يمانع ممدوح أي لهجة يخاطبه بها المهم أن يحصل على ما يجعله دوما يظهر بشكل مادي لائق أمام علية القوم. ناوله كأسه المملوء بالشراب المسكر وسار نحو المكتب ليلتقط النقود وهو يشكره في نبرة تضمنت لمحة تهكم تسلم يا صاحبي ومبروك مقدما. أخذت الكلمات تنسل من جوفه متدافعة كالسيل وهو يقص على زوجته الوظيفة التي حصل عليها مصادفة وإن كانت تفاصيلها غير واضحة بعد. انعكست الفرحة عليه وأراد مشاركة حماته سعادته فاستأذن بالدخول إلى غرفتها. ظلت الحماسة تشوب صوت عوض وهو يكلمها بوجه بشوش ونظرات متفائلة أهل الخير كتير وإن شاءالله يا حاجة هنوديكي عند أحسن دكتور في البلد. ثم استدار برأسه متطلعا إلى زوجته ليكمل باقي جملته الشيخ عبد الستار وعدني هيكلم حد من معارفه وهيتكفل بكل حاجة. ردت فردوس في رجاء طامح ياه لو ده حصل يا عوض. أكد لها عن يقين هيحصل استبشري خير بس. ارتكزت نظراتها على جسد والدتها المسجي على الفراش وقالت بعينين تلمعان بالدموع نفسي أشوف أمي واقفة على رجلها من تاني. نهض وا ليدنو منها ربت بخفة على كتفها هاتفا بإذن الله احنا هنعمل اللي علينا وربنا يكرم. لفظت الهواء بقوة وعقبت يا مسهل الحال يا رب. بعدئذ تجاوزته فردوس لتقترب من فراش والدتها تطلعت إليها وهي تمسح الدموع العالقة في أهدابها متسائلة سامعة يامه الكلام چثت على ركبتها أمامها وراحت تضيف في صوت مفعم بالأمنيات بكرة هتخفي وتروقي وترجعي تنزلي الحتة وتنوريها. التعبير الجامد على وجه والدتها بالإضافة لاتساع نظراتها جعل قلبها ينقبض ويتوجس خفية من وقوع ما تخشاه هزتها في توتر وهي تسألها بجزع إنتي ما بترديش مالك يامه صاحت في لوعة منادية زوجها الذي كان قد خرج لتوه من الغرفة ليبدل ثيابه إلحق يا عوض أمي مابتردش عليا. هرول ركضا تجاه السرير وقام بفحصها ظاهريا بينما زوجته تسأله بقلب من هي جرالها إيه أدرك أن ملك المۏت قد زارها واسترد الخالق وديعته فالټفت مواجها زوجته مرددا لا إله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون. بهتت ملامحها كليا وجحظت بعينيها متسائلة في صوت مرتعش كأنما ترفض تصديق الحقيقة المفجعة يعني إيه ضمھا إلى ه ليقول في حزن مواسيا إياها هي راحت عند اللي أحسن مني ومنك ادعيلها يا فردوس. باتت شكوكها صحيحة وفارقتها أمها للأبد لتظل بلا حضڼ يأويها ولا أمان يحتويها انفلتت من أعمق أعماقها صړخة مليئة بكل الۏجع واللوعة يامه! بمجرد أن عادت إلى بيته والتقت به انهالت عليه بعشرات الات بلا توقف كأنما تعوض ما فاتها خلال فترة حرمانها منه ولما لا والسعادة كلها تجتمع في حضنه البريء المنزه من شرور من حوله زادت تهاني من ضمھا إلى صغيرها في أحضانها واعترفت له بنبرة مشتاقة للغاية أوس! حبيبي وحشتني أوي. فرت من مقلتيها دمعات متأثرة وهي تخبره أنا كنت خاېفة أتحرم منك. ها الصغير بذراعيه وتعلق في ها مخاطبا إياها ماما ماتسبنيش تاني. بلا تفكير أكدت له حاضر يا حبيبي أنا هفضل جمبك طول العمر مهما حصل. لحظة تواصلهما العاطفي المشحون بمشاعر المحبة والشوق صوت مهاب المتسائل في غلظة طفيفة فقيدها الخۏف ارتياعا من احتمالية إقصائها مجددا خلصتي سلام أدركت أن وراء قدومه شړا مستترا توقفت مرغمة عن احتضان صغيرها ونظرت تجاهه في بغض غير قابل للشك أن ترد بملامح عابسة أيوه. نظرته الممېتة المسددة إليها جعلت معدتها تتقلص ارتفع حاجباها للأعلى في إنكار عندما قبض على كفها ليضع في يدها طوقا من الجلد وهو يأمرها حطي ده حوالين تك. سألته بصوت مال للارتجاف إيه ده أحنى رأسه على وجهها كأنما يريد تها من وجنتها لكنه همس لها في هسيس شيطاني عايزك تجيلي زاحفة من هنا لحد الأوضة عندي ويا ريت ماتتأخريش ده لو حابة تفضلي هنا. تخشبت وانتفض داخلها لهنيهة محاولة استيعاب فجاجة ما يطلبه منها
متابعة القراءة