رحله الآثام منال سالم

موقع أيام نيوز

بطيئة للغاية لم تسلم خلالها من لسان ابتهال الثرثار فقد كانت تملك طاقة كلامية لا تنضب أبدا وعلى قدر طاقة تحملها حاولت تهاني تجاهلها وتعاملت معها بجفاء ورسمية بحتة لكنها لم تفهم بالتلميحات المبطنة ولا بالإشارات المعلنة حيث واصلت تحريك فاهها لتحكي في أي شيء وكل شيء. ما إن انتهت كلتاهما من إجراءات الوصول حتى أسرعت تهاني في خطاها لتبتعد عنها لكنها كانت كظلها لحقت بها ولم تتركها تغيب عن نظرها لثانية. بمجرد أن اقتربتا من باب الخروج من صالة المطار لفحة من الهواء الساخن لطمت وجنة ابتهال فراحت تشتكي وهي تحرك يدها كالمروحة لعلها تحصل على نسمة مرطبة ياني على الجو ده ولا جهنم... نظرت لها تهاني شزرا هي مثلها تشعر بسخونة الجو وتوقعت اختلاف المناخ هنا ومع ذلك لم تشتك. أضافت هذه المزعجة بعد زمة سريعة لتيها وربنا احنا بلدنا نعمة الهوا فيها يرد الروح وينعش القلب. كالعادة لاذت بالصمت الإجباري معها وتابعت سيرها نحو المخرج فسألتها ابتهال مستفهمة هما قالوا هنركب إيه عشان نروح السكن نفخت بصوت مسموع أن تجيبها في أكيد أتوبيس هيوصلنا مش هنمشيها يعني! انتبهت ابتهال لأحدهم على وجه الخصوص وهو يقف أعلى الرصيف الخارجي للمطار فصړخت بفرحة وكأنها رأت نجما سنمائيا بصي هناك ده دكتور عبد الحافظ هو المسئول عننا هنا الحمدلله إني شوفته. اندهشت لمبالغتها وظلت تحدق بها وهي تأمرها تعالي نروحله أكيد هو مستنينا. لم تكتف بذلك بل صړخت عاليا غير مبالية بلفت الأنظار إليهما يا دكتور عبد الحافظ يا دكتور! نظر إليها الرجل الخمسيني الوقور باهتمام بدا على ملامحه عدم الاندهاش لرؤياها وتقدم ناحيتها مرحبا بها حمدلله على السلامة يا دكتورة ابتهال... اتجه بنظراته نحو تهاني وأكمل أنا مستنيكم من بدري. لم يحد بناظريه عنها وهو يسألها ليتأكد دكتورة تهاني مظبوط هزت برأسها قائلة أيوه. مد يده لمصافحتها وهو يعرف بنفسه أنا الدكتور عبد الحافظ المسئول هنا. رسمت ابتسامة صغيرة مهذبة على محياها مبادلة إياه التحية اتت بحضرتك. تساءلت ابتهال مستوضحة وهي تدور برأسها حولها كأنما تفتش عن أحدهم أومال باقي الزملاء فين سبقونا ولا إيه أشار نحو حافلة متوسطة الحجم أن يخبرها موجودين في الأتوبيس. عندئذ مالت بجسدها نحو تهاني لتهمس في أذنها بتذمر شكلنا آخر ناس خلصوهم باين الكوسة هتشتغل من أولها. كزت على تيها في حنق مزعوج منها أشاحت بوجهها بعيدا ولفظت زفيرا طويلا وهي تردد بلا صوت ارحمني يا رب. عن عمد تعمدت أن تسد أذنيها عنها حين جلستا متجاورتين في الحافلة الصغيرة علها تيأس منها وتصمت. التهت تهاني بالتحديق في الطريق وطافت ببصرها عبر زجاج النافذة على المعالم الصحراوية المة بها كانت الطبيعة البيئية لهذه المنطقة تختلف عما اعتادت رؤيته في نهار عملها الروتيني من زحام واختناق مروري فالسماء كانت باهتة والغبار انتشر كالسحاب فجعل الرؤية ضبابية في أماكن ومتوسطة في أماكن أخرى. تسلل إليها وهي تحاول اللحاق بكل ما تراه لتحفظه الش بالرهبة والارتياب وأدت ما انتابها من أحاسيس خائڤة متسلحة بطموحها غير المحدود. تباطأت سرعة الحافلة عند منطقة سكنية معينة فأمعنت تهاني النظر بتدقيق لتعرف تفاصيل المكان جيدا فمن المفترض أن تقطن هنا. من الخارج بدت البناية نظيفة حديثة الطلاء جيدة التصميم لكن حين صعدت للأعلى وتحديدا للطابق الثالث حيث يقع بيتهما المستأجر انتظرتها مفاجأة غير سارة فما إن وضعت المفتاح في قفل الباب ووطأت للداخل صډمتها رائحة الهواء العطن فجعل ها ينقبض أحست بشيء غير مريح يناوشها أنارت الإضاءة فحلت مفاجأة أخرى أكثر صدمة عليها تجولت ببصرها على ما يوجد بها فرأت كيف يبدو الأثاث قديما ومستهلكا من كثرة الاستعمال تتناثر الكراكيب بعشوائية عند الأركان ناهيك عن حاجة أرضيتها للتنظيف الشديد. لم تكن مثلما توقعت أبدا! راحت تردد بذهول وعيناها تبرقان بشدة معقولة دكاترة محترمين زينا يقعدوا في مكان زي كده جعلتها الصدمة تتجمد في مكانها للحظات وقد توقف عقلها عن التفكير في حين انبهرت ابتهال بالصالة المتسعة وبدأت تتجول بحماس في مها وهي تخبرها أما أوضة شرحة وبرحة بصحيح. ألجم تعليقها الغريب لسانها لوهلة لكن اندلع الڠضب بها فصړخت مستنكرة إنتي بتقولي إيه استغربت ابتهال من تشددها وعقدت حاجبيها في اندهاش وهي تزيد من صياحها الغاضب ده عاملة زي علبة الكبريت! ردت ببرود استفزها هو احنا لينا أكل ولا بحلقة ده احنا مش هندفع مليم يوووه نسيت هي العملة هنا يجيلها بكام سئمت من تساهلها ومن شخصها المغيظ فهدرت فيها بانفعال أنا ماش بحاجة أقل من اللي استحقه. انهت جملتها واندفعت نحو الخارج فتبعتها ابتهال مذهولة وهي تسألها رايحة فين يا تهاني حاولت إيقافها عنوة فلكزتها تهاني بعصبية في ذراعها وهي تصرخ بها حاسبي من طريقي. تقدمت عنها في خطواتها ثم وقفت قبالتها وسألتها بتخوف من أولها هتعملي مشاكل كده هيقولوا عننا إيه دفعتها بقسۏة لتزيحها من أمامها وصوت صړاخها يسبقها ابعدي عن خلقتي السعادي أنا روحي في مناخيري. تأوهت من الوكزة القوية وتغاضت عن شها بالألم اللحظي وهتفت تتوسلها استهدي بالله بس وآ... قاطعتها تهاني أن تستأنف وصلة تذللها المستفزة صائحة بإصرار ووجهها يشتعل بحمرته الحانقة إنتي عاوزة تقعدي في أوضة الفران دي يبقى براحتك لكن أنا لأ!!! التنازل لمرة يعني بدء المسير في رحلة المشقة لم ت تهاني بما لا تستحق وأصرت على تمسكها بما ت إلى أن ظفرت في الأخير بمبتغاها وحصلت على ما يليق بها. انخطفت أنفاس ابتهال وبهرت عيناها بوميض لامع وهي تتجول بداخل السكن الآخر الذي تم توفيره لهما للسكن فيه قفزت كالصغار على الأريكة الجلدية وجلجلت نبرتها قائلة بنبرة مديح وربنا كان معاكي حق تعملي الشبورة بتاعتك دي المكان أحسن بكتير فرق السماء من الأرض... ركزت بصرها على رفيقتها وتابعت أنا بعد كده هاخدك معايا في أي حاجة. لم تنطق تهاني بكلمة اكتفت بالاستمتاع بش الة الذي تغلغل فيها وجعلها تبدو كبطلة خارقة رغم أنها لم تفعل الكثير. تظاهرت بعدم الاكتراث ووضعت هذا القناع الجليدي على ملامحها ثم أمسك بمقبض الحقيبة وسحبتها نحو الغرفة التي اختارتها لتكون خاصة بها فتساءلت ابتهال في تحير إنتي رايحة فين مش هتقعدي معايا شوية حانت منها نصف التفافة ناحيتها لتعلق برسمية داخلة أوضتي ولو سمحتي يا ريت ما يكونش في إزعاج أنا عاوزة أرتاح. زينت ابتهال وجهها ببسمتها المتسعة وردت وهي تشير إليها حقك طبعا... بمجرد أن تابعت مشيها وجدتها تكلمها من خلفها بثرثرتها المعتادة بس عاوزين نلف حوالين المكان عشان نعرفه. تجاهلتها عن قصد لتلج إلى غرفتها صافقة الباب ورائها پعنف مما جعل ابتهال تنتفض في مكانها. رفعت حاجبها للأعلى ورددت بتجهم طفيف هي مالها كده سرعان ما تبدد الضيق من على قسماتها لتتابع محدثة نفسها بابتسامة أشد اتساعا وهي تجلس ترخاء على الأريكة يا سلام على الأعدة الملوكي اللي هنا! أراحت مرفقيها على حافة النافذة واستندت بذقنها عليهما معا لتتطلع بشرود حزين إلى المارة السائرين في الشارع بدت من بعيد كما لو كانت غارقة في دوامة من الهموم والأثقال وحين أتت فردوس وجلست إلى جوارها لم تشعر بوجودها بقيت في انفصالها الواجم عن الواقع لمزيد من الوقت. وضعت ابنتها يدها على كتفها لتنبهها إليها وهي تتساءل باهتمام مالك يامه سرحانة في إيه أجابت دون أن تنظر تجاهها قلبي متوغوش على أختك مكانش لازم نسيبها تسافر نهائي. مطت فردوس فمها قليلا في غير تأثر ثم غمغمت معقبة وهي تداعب بأناملها جديلة شعرها التي طرحتها على كتفها ما إنتي عارفة دماغها الحجر مهما عملنا مكوناش هنمنعها عن اللي هي عاوزاه. تنهدت عقيلة مليا سائلة نفسها بصوت مسموع أيضا لابنتها يا ترى عاملة إيه دلوقتي يا كبدي بنفس الهدوء الواثق أخبرتها هي ناصحة وهتعرف تتصرف. المزيد من الع القلق حل على تجاعيد وجهها وهي تردد يا خۏفي من الغربة تغيرها ولا تعمل فيها حاجة. لاحت بسمة هازئة على زاوية فمها أن تعلق متقلقيش عليها دي تفوت في الحديد. غريزتها الأمومية جعلت مشاعرها المرهفة تتضاعف خوفا عليها فهمهمت بلا صوت وهذه النظرة الحزينة تطل من حدقتيها أنصح منها والشيطان غواهم! بهدوء شديد انحنت تلتقط آخر ثيابها لتنتهي من ستر جسدها المكشوف ألقت نظرة سريعة على سيدها النائم على الفراش أن تسير على أطراف أعها وتقترب من مرآة التسريحة وقفت الخادمة قبالتها تسوي بيدها خصلات شعرها النافرة لتضع بعدئذ حجاب رأسها وهذه الابتسامة الراضية تتراقص على تيها فرب عملها يجيد منحها ما تريد من سعادة وسرور وإن كانت هذه المشاعر تدوم لحظيا لكنها في المقابل تتمتع ماديا ومعنويا. نظرة أخرى دارت بها على معصميها المكدومين ففركتهما تباعا ثم سحبت الكريم المرطب لتدلك به ما بقي من آثار تها الجامحة به. تنهدت بعمق وهي تقاوم ما يعتريها من مشاعر أخذت تتأجج بداخلها فقلما استطاعت مقاومة سحره وتأثيره في استدراجها نحو دوامة أهوائه العاصفة. تأكدت من ضبط هيئتها لئلا تثير الريبة وهي تتسلل خارجة من منزله في هذه الساعة المبكرة. تحركت بحرص نحو جانبه من السرير مالت عليه لته من جبينه ثم سألته في صوت ناعم رقيق سي مهاب عايز حاجة تانية مني ما أمشي. بصوت شبه ناعس أجاب ودون أن يفتح عينيه لأ. سألته في نفس الصوت الحنون الخاڤت طب تحب أفضل كمان شوية أشوف مزاجك وطلباتك حينئذ الټفت بجسده ناحيتها ومد يده ليمسح على وجنتها برقة أن يرفض بلباقة خليها وقت تاني عشان تلحقي ترجعي. لاحت ابتسامتها المتدللة على وجهها وقالت وهي تل واقفة ماشي يا سيدي وسيد الناس. لوح لها بيده أن يعاود الاستلقاء على جانبه وهو يقول بتثاؤب سلام يا حلوة. تحركت الخادمة خارج الغرفة تجاه باب البيت وهناك انتعلت حذائها القديم وهذا الصوت يردد في رأسها المرة الجاية هابقى أطلب منه جزمة جديدة مش خسارة فيا. أمسكت بالمقبض وأدارته لتفتح الباب لكنها تجمدت في مكانها مصعوقة عندما رأت شقيقه يقف عند العتبة يطالعها بنظرات احتقارية مشمئزة كان الأخير يعرفها تمام المعرفة فهي إحدى خادمات القصر ممن عملن لمدة قصيرة أن يتركن العمل دون تبرير واليوم عرف السبب فهي متواجدة هنا في هذا المنزل المعزول للقيام بمهام أخرى لا تتضمن أي معايير أخلاقية فيها. نكست الخادمة رأسها في خزي
تم نسخ الرابط