رحله الآثام منال سالم

موقع أيام نيوز

والثلاثون الفصل السادس والثلاثون بذرة الشرور بحركة اهتزازية رتيبة ظل الصغير أوس يحرك ساقه اليسرى للأمام والخلف وهو ينتظر خارج مكتب مدير مدرسته الداخلية حيث تلتقي والدته به بعدما تم استدعائها لاستلام أوراقه لنقله من هذا الصرح التعليمي. للغرابة تفاجأ بها تدافع عنه بضراوة وتختلق له الحجج والأعذار لتبرر سلوكياته وتصرفاته المتجاوزة فصوتها المرتفع قد وصل إليه وجعله على دراية بما يدور بالداخل دون الحاجة للتواجد فعليا معهما. لم يتوقع منها أن تفعل ذلك خاصة بعد أن ازدادت الفجوة بينهما وأصبح تواصلهما كأم مع ابنها محدودا ومقتضبا حينئذ شعر بشيء من السرور ينتعش بداخله يا ليتها استمرت على ذلك النهج لما صار بهذا العناد! تصلب في جلسته وتوقف عن هز ساقه عندما فتح الباب فجأة نظر إلى الجانب فوجد والدته تخاطب المدير في لهجة متشددة أكيد مش هغلب وهلاقي لابني مكان يقدر يفهم طبيعة شخصيته ويساعده يبقى أفضل مش يحمله الذنب ويرميه كأنه نكرة. جاء صوته جادا حينما علق عليها بما يشبه النصيحة اللي بنعمله ده لمصلحته والأهم إن سلوكه يتغير لأنه لو فضل على كده صدقيني مافيش مكان محترم هي بيه. تحدته قائلة بضيق هف... ثم استدارت برأسها نحو ابنها لتنظر إليه وهي تأمره يالا يا أوس علشان نمشي. نهض من مكانه ساحبا معه حقيبته التي امتلأت بكافة متعلقاته الشخصية أخذتها منه والدته وقالت كنوع من المواساة معلش يا حبيبي هما خسروك. لم يبد مباليا بالمرة بشأن فصله بل شعر وكأنه أزاح ثقلا عن ه بالتخلص من ذلك المكان استمع إليها وهي تؤكد له بكرة تروح مدرسة تانية أحسن من دي بمليون مرة. اكتفى بالإيماء برأسه فطلبت منه بصوت ترقرق إلى حد ما بس ممكن أطلب منك طلب نظر لها بعينين متسائلتين فأوضحت له وهي تضع على تيها ابتسامة صغيرة يا ريت ماتحكيش عن اللي حصل ده لعمو ممدوح تعكرت ملامحه وأشاح بوجهه بعيدا عن نظرتها المهتمة فاستمرت في سرد أسبابها مش حباه يفضل فاكر إنك لسه مشاغب وبتعمل مشاكل وده مش حلو علشان تكم سوا أنا عايزاكم تبقوا زي الأصحاب كأب وابنه. وكأنها لم تقل شيئا ألقى ما فاهت به وراء ظهره وواصل السير دون كلام بينما تهاني لا تزال تخاطبه في ودية وبعدين أنا زمايلي قالولي عن مدرسة لطيفة أحسن من دي وهتكون قريبة من البيت. ظل على صمته معها فحاولت كسر حاجز السكوت الذي يضعها معها بإشراكه في الحوار ها إيه رأيك رد بغير اكتراث وهو يهز كتفيه عادي. انتقلت لسؤال آخر محاولة استطالة الحديث معه مانفسكش تشوف إخواتك نظر إليها باهتمام لا يمكن إنكاره فأضافت في حماس دول كبروا شوية ولما حد بيكلمهم بيضحكوا. ثم ته من كتفيه بذراعها وتابعت بنفس النبرة النشطة هتتبسط أوي لما تجرب تعمل كده. ظل واضعا لقناع الجمود على محياه رغم ذلك الش اللطيف بالمرح الذي تخلله لمجرد تخيله مشاركتهما اللعب واللهو بلا مراقبة أو سلطة. ........................................................... جراء ما تعرضت له ا من تطورات صحية مفاجئة تخلت عن فكرة إقامة حفل زفاف أسطوري يتحاكى عنه الجميع لأشهر وربما لسنوات مثلما حلمت طوال عمرها لتكتفي بتنظيم حفل ذي مستوى راق بالكاد يرتقي لتطلعاتها دعت للحضور إليه قلة معدودة ممن تربطهم الصلة الوثيقة بالعائلتين تجنبا للقيل والقال وتناثر الأخبار والشائعات المغلوطة لتسافر بعدها إلى الخارج مستمتعة بالأيام الأولى في زواجها. شعرت ناريمان بالغرابة والقلق ولم تستطع مغالبة هذه المشاعر المضطربة رغم بذل مهاب كل الجهد لإسعادها وإشعارها بالتميز والاختلاف لن تنكر أنها ذاقت معه أشهى ألوان الهوى واستمتعت بالمفهوم العميق والمؤثر للوقوع في شباك الحب ومع هذا بقيت مترددة مستحوذ على تفكيرها الخۏف من المجهول والحيرة من اختيار هذه الزيجة الغامضة فكانت معظم لقائتهما تنتهي أن يصل تلاحمهما الجسدي لذروة الرضا والا. لم تستطع البقاء في غرفتها الفندقية الفاخرة وارتدت ثياب السباحة واضعة حول جسدها وشاحا من قماش الشيفون لتستلقي على واحدة من الأرائك البلاستيكية المرصوصة أمام المسبح محاولة تصفية ذهنها والتوقف عن ذلك الأرق الذي يزعجها حينما لم يجدها زوجها بالأعلى توجه إلى المسبح حيث توقع أن تتواجد. جلس ملاصقا لها وداعب ذراعها بأعه في خفة فاقشعرت من لمساته حاول التودد إليها بية فصدته بجمود استنكر ما قامت به وعبس متسائلا في إيه يا حبيبتي فردت المنة على جسدها لتغطي مفاتنها الظاهرة وأخبرته بعزوف صريح ماليش مزاج يا مهاب. استاء للغاية من تمنعها عليه وقال في استهجان مشوب باللوم وأنا مش عايز منك غير إنك تحسي بيا وتقدري مشا. نفخت في سأم وقالت بصبر نافد من فضلك أنا تعبانة ومش قادرة. للحظة توهم أنه تشكو من علة مرضية بجسدها فتساءل بلهجة الطبيب المتمرس في حاجة بټوجعك قولي ماتتكسفيش! رمقته بهذه النظرة الغريبة أن تباعد عينيها عنه لتعلق بكلام موحية مش لازم يكون كل التعب في الجسم! فهم ما ترمي إليه دون الحاجة للتوضيح فأخبرها مباشرة أنا حاسس إنك متغيرة من بعد جوازنا أو خليني أقول بصراحة إنك ندمانة على جوازك مني. وكأنه قرأ ما يجول في رأسها من خواطر متخبطة صمتها أكد لها ظنونه وأفصح عن ذلك بترديده كلامي صح طالما سكتي. حاولت تبرير موقفها الحرج بقولها المرتبك الحكاية مش كده. نهض من جوارها قائلا بسحنة مقلوبة للغاية مش محتاج أسمع أكتر من كده وصلني اللي جواكي ومش عاوزة تقوليه. كادت تنطق بشيء لتصحح من سوء الفهم لكنه حسم أمره هاتفا بجدية جهزي نفسك عشان هنرجع. لم يمهلها الفرصة للاعتراض وغادر المسبح بخطوات شبه سريعة مستحضرا في ذاكرته تصرفات زوجته السابقة الخانعة له رغما عنه عقد عقله مقارنة سريعة بين الاثنتين مرجحا كفة الأخيرة لصالحها فقد كانت طوع بنانه يشكل عجينتها الطرية كيفما يشاء ودون أن تجرؤ على الشكاية أو مخالفته أبقى على ملامحه واجمة مدمدما مع نفسه في تبرم دي تهاني كانت بتك! ................................................... كعادته كلما يعود من سفرة طويلة يتقابل معه ليلا بغرفته بالمى أن يستكملا سهرتهما بأحد المطاعم الشهيرة. التعابير التي كان عليها مهاب أكدت لرفيقه أنه لم يكن مسرورا وكانت الزيجة محفوفة بعناصر الهم والنكد وإلا لما كف عن استض مدى كفاءته الذكورية في إيقاع فريسته الجديدة. ضحك ممدوح في سخرية ليأتي تعقيبه مغيظا له أوام كده يومين العسل خلصوا رد عليه بضيق مش ناقصك يا ممدوح في شغل كتير متعطل وعايز أرتب جدولي من الأول. سأله مستفهما في فضول وعلى كده المدام راجعة امتى أجابه بعد زفرة سريعة لما أظبط حوار السكن. استغرب لتفكيره في تبديل بيته مجددا واستخبر منه بتطفل واضح مش عاجبها الفيلا بتاعتك أتى رده على مضض لأ عايزة حاجة في أدوار عالية تشوف بيها السماء. تصنع الضحك السخيف وعلق واضح إن مراتك ليها دماغ. ضجر مهاب من الحديث عن زوجته غالبية الوقت وسأله في جدية سيبك من سيرتها وقولي أوس عامل إيه مط فمه للحظة أن يجيبه مقتضبا كويس.. ما لبث أن مازحه في استخفاف وبكلمات مفهومة المغزى أبعتهولك يومين ياخد بحسك بدل ما إنت قاعد لوحدك مقطوع تغاضى عن مضمون تلميحاته المشيرة إلى هجر زوجته له ورد بنفس الصوت الجاد لما أظبط السكن. ثم عاد لصمته محاولا مطالعة ما لديه من ملفات متراكمة تخص أهم الحالات المړضية رفع بصره عن الأوراق عندما ألح عليه ممدوح في مكر إنت حالك مش عاجبني إيه رأيك في اللي يعدلك مزاجك ظل رفيقه على تبرمه فهتف به بانزعاج ممدوح! خف عني! رد عليه بتصميم يا عم ده أنا بعوضك عن يومين الكآبة اللي كنت فيهم جرب بس ومش هتندم ده إنت أستاذ الدلع والمريسة! زفر عاليا أن يرد بعدين. مجرد قبوله ضمنيا بالعودة إلى ما كان عليه أعطاه الوسيلة لجره لأعماق المستنقع الذي كان يشاركه فيه بكل شيء لهذا لم يتورع عن ملاحقته كظله حتى يضمن عدم تراجعه. في خبث لا يمكن إنكاره خاطبه وهذه اللمعة الشيطانية تتراقص في مقلتيه اتفقنا يا صاحبي وأنا مش عاوزك تشيل هم حاجة نهائي أومال أنا موجود ليه! ارتخى في جلسته أكثر وبدأ في إعمال عقله بكامل طاقته للتفكير فيما يعيدهما للأمجاد السابقة. .......................................... هذه المرة أصر ممدوح على إرسال الصغير أوس في وقت باكر مع مربيته إلى مسكن أبيه الجديد حتى توضب متعلقاته بغرفته هناك وفي نفس الآن يعتاد على المكان ويتفقده بأريحية إلى أن يعود مهاب من عمله متأخرا خاصة مع جدوله المشحون بعشرات العمليات الجراحية. لم تمانع تهاني ذلك ورحبت باقتراح زوجها المهتم فقد كانت مشغولة هي الأخرى بعملها ولن تستطع القدوم مبكرا لبيتها لذا بدا من المناسب إبقائه هناك واكتفت فقط بالذهاب لاصطحابه ليلا إن أراد العودة معها والمكوث مع شقيقتيه التوأم. بالنسبة له كان النهار طويلا ممتدا يكاد لا يمضي أبدا شعر أوس بالملل والفتور لبقائه بمفرده في هذا المسكن المتسع دون أن يفعل ما يفيد وخصوصا بعد رحيل مربيته ليظل باقيا مع تلك الأخرى المتواجدة من أجل القيام على كافة متطلبات أبيه وأيضا رعايته في حالة تواجده. كان ممتنا لأنه أحضر كرته معه فراح يركلها هنا وهناك في بعض الأحيان كان يتوقف عن اللعب ليقوم بإزعاج المربية بأي طلبات فارغة لتبدد بداخله هذا الش بالرتابة والوحدة. لدهشته كانت الأخيرة تهتم بمظهرها على غير العادة أفرطت في تلطيخ وجهها بمساحيق التجميل وبدلت زي عملها بآخر مماثل له في اللون لكنه أقصر في الطول حيث استطاع أن يرى غالبية ساقيها للمرة الأولى فانتابه الفضول لمعرفة ذلك التحول العجيب في هيئتها ورغم هذا لم يترك الأمر ليحيره أو يشغل باله كثيرا حيث عاود اللعب بكرته فركلها بقوة للأمام فانطلقت إلى داخل غرفة أبيه في البداية تردد في الذهاب ثم حسم أمره بإحضارها عندما تذكر الأمر الواضح بأنه غير محظور عليه التواجد بها طالما أنها شاغرة. ضحك في استمتاع وهو يرى المربية تشاركه اللعب بعدما أحضرها فراوغها وأحرز ما اعتبره هدفا في المنطقة التي خصصها لتسجيل الأهداف مرة ثانية ركل الكرة بقوة فتسربت إلى داخل الغرفة وثب عاليا في براءة والټفت برأسه محدثا المربية أنا هجيبها وهكسبك. هذه المرة اختفت الكرة أسفل الفراش فانحنى بجسده بعد أن جثا على ركبتيه ليتمكن من تمرير ذراعه والتقاطها لم يستطع
تم نسخ الرابط