رحله الآثام منال سالم
المحتويات
لازم يكون لليلة دي نهاية! في خضم شروده المعتاد لم ينتبه ممدوح لقدوم زوجته لتجلس معه بدت بهية الطلة وهي ترتدي أفضل ما لديها من ثياب مغرية لتمنحه نفحة جديدة ومتجددة من السعادة المشوقة ونظرت إليه بشغف وهي تسأله حبيبي سرحان في إيه أجاب نافيا وهو يلصق به هذه الابتسامة المتصنعة مافيش يا قلبي. زوت ما بين حاجبيها متسائلة بإصرار هتخبي عليا برضوه مش احنا اتفقنا نكون صرحا مع بعض على طول تعلل بحجة كاذبة لينجو فقط من حصارها المزعج له يعني الدنيا مقفلة شوية معايا وأنا مش عارف أجيبلك بيت كويس نعيش فيه. دون تفكير مسبق أخبرته بنزق وقد سحبت ذراعها لتمسك بكفه وتحتضنه بين راحتيها أنا حالي ومالي ليك. نظر لها باهتمام فقد غفل عن أنها أصبحت ميسورة الحال بعد تبدل وضعها الوظيفي واقترانها بسليل عائلة الجندي لسنوات حتما جيبها لن يكون خاليا من الأموال. سرعان ما حول تحمسه الفجائي لامتعاض عابس وهو ينهرها كأنما قد استاء من تلميحها الكلام ده مش عايز أسمعه منك! استندت برأسها على كتفه وخللت أناملها بين أعه لتتشابك معا ثم رفعت يدها الأخرى الطليقة نحو ه لتداعبه برفق أن تصر عليه بكلامها يا حياتي أنا وإنت بقينا واحد وكل اللي معايا ليك ول أوس! الإتيان على ذكر ذلك الصغير المغيظ له جعل ه تتحفز وينتابه ش الغيرة والحقد تجاهه. كان ممدوح متأكدا أن زوجته لن تبدي رفضها لأي مقترح يطرحه عليها خاصة بعدما تمكن منها وعرف كيف يستحوذ على وجدانها عقلها فأصبحت معه كالمغيبة تساق كالبهائم إلى حيث يريد لهذا انتهز الفرصة ليقترح عليها إرسال طفلها إلى مدرسة داخلية متخصصة فقط في تنشئة وتعليم أبناء الطبقة الراقية حتى يتمكن تماما من الانفراد بها ونهب ما تملك بمكر وعلى راحته. اندهشت لما فاه به وهتفت في اعتراض بعدما استعادت يديها مدرسة داخلي أوس صغير أوي على كده بيتهيألي مالوش لازمة! صمم على اقتراحه بجدية غريبة صدقيني ده هيفيده ويعلمه الانضباط. صمت أذنيها عن كلامه وهتفت تخبره بملامح متجهمة أن تنهض من جواره إزاي أوافق بده وأنا عملت كل حاجة صعب تتخيلها عشان أفضل جمبه! كان جيدا في قراءة تعبيرات الوجه وعلم من قسماتها أن استمراره بالضغط عليها لن يؤتي بالنتائج المرجوة لهذا ادعى تراجعه عن الأمر وقال في دبلوماسية وقد نهض هو الآخر ده مجرد رأي يا حبيبتي وإن كنت بفكر بالشكل ده فعشان تحطي في اعتبارك مستك وماتفضليش كده متعطلة بسبب طفل صغير. استدارت لتواجهه وهتفت بتحفز اللي بتتكلم عنه ابني الوحيد. وضعت كلتا يديه على منبتي ذراعيها مسدهما في رفق وقال ما يا حبيبتي ده هيروح أحسن مدرسة هتعلمه كل حاجة على أصولها ما إنتي بنفسك شايفة مغلبنا إزاي مع المربيات. كان محقا في الجزئية الأخيرة من حديثه ف أوس لا يتوقف أبدا عن التشاجر مع المربيات ولا عن افتعال المشاكل معهن حتى يعتذرن عن العمل. التقط ممدوح لحظة التردد التي سادت في تعابيرها وقال في خبث ليقنعها وبعدين مهاب ماعندوش مانع بكده. سألته في دهشة كبيرة إنت كلمته تصنع الابتسام وأجابها في هدوء جاد اقترحت الحكاية عليه وسط مواضيع تانية وكان رأيه زيي نعمل الأصلح ل أوس. انعكس التردد على محياها ومع ذلك لم تعطه الرد القاطع وتكلمت بعد تنهيدة سريعة طب سبني أفكر الأول وأدرس الموضوع. اتسعت ابتسامته الماكرة أكثر وأبدى ترحيبه قائلا وهو لا يزال يجري بيديه صعودا وهبوطا على طول ذراعيها خدي راحتك يا حياتي اللي يهمني في النهاية إنه يكون زيك أحسن حد. تساءلت تهاني بعدئذ وهي تهم بالسير لتعود إلى حيث كانا يجلسان في الأول هو مهاب مقالكش راجع امتى مط فمه قليلا ثم جاوبها بعدما استقر مجاورا لها ماظنش دلوقتي الباشا أبوه تعبان وهو موجود مكانه. تنهدت في ارتياح شديد أن تعلق ربنا يبعده عننا. اكتفى بالابتسام فاستطردت مسترسلة في حديثها إليه تعرف من يوم ما هو سافر واتجوزتك وأنا حاسة بنفسي بني آدمة حرة ليها مشاعر وكيان. وأخبرها بلطافة وهذه النظرة الغامضة تبرق في حدقتيه ولسه كمان لما أحلامك كلها تتحقق. نظرت إليه في محبة فأحنى رأسه على تيها يها منهما ليضيف في صوت أقرب للهمس ليستميل فكرها إنتي بس اسمعي كلامي وهتعرفي إن معايا حق. غادر منزله مرغما وليس بإرادة منه كان مجبرا على إطاعة الأوامر ولو قسرا تذمراته شكواه حتى احتجاجاته لم تلق أي صدى في الأخير تم استبعاده ليرسل إلى هذه المدرسة الداخلية وحيدا ومهموما. عيناه الغائرتان في وجهه كانتا توحيان پغضب مكتوم خاصة أن والدته لم تصحبه ولم تودعه بدا الأمر من وجهة نظره وكأنه تم لفظه من موضع سكنه لتستمتع هي بيتها الزائدة مع زوجها السمج. الدندنة المستفزة التي راح يرددها ممدوح في قدر من الهمس وهو يقود السيارة كانت تحقن ه وتجعله يبدو كأتون متقد على وشك الانفجار في أي لحظة. طوال الطريق استمر ممدوح في النظر إليه عبر المرآة الأمامية بين الحين والآخر في تلذذ مغيظ أن يردد على مسامعه كأنما يظهر له الشماتة شوفت أنا بنفسي اللي جاي أوصلك. تأمل هذا التعبير الحانق على وجه الصغير وتمتع أكثر برؤيته يعاني فزاد من استفزازه بقوله مع إن أمك كان هيجرالها حاجة وتيجي بس عرفت أقنعها تفضل بعيد ما هي بقت زي الخاتم في صوباعي. ثم أطلق ضحكة عالية ليضاعف من شه بالحقد وأضاف بعدها عن عمد ليشكك في مشاعرها الأمومية تجاهه إنت مش عارف هي بتعشقني إزاي ده يمكن أكتر منك. عاود الضحك ليستثير أعه أكثر وراح كمل نفس الدندنة السمجة دون أن يكترث بصمته المشحون معتقدا أنه بذلك ېهشم روحه ويكسر كبريائه الموروث. بعد وقت ليس بقليل تباطأت سرعة السيارة حينما وصل ممدوح لمنطقة شبه معزولة عن الجميع محاطة بأسوار مرتفعة من الأسمنت فتحجب من بداخلها عن رؤية ما يدور بالخارج. أشار بيده للحرس الأمني الواقف عند البوابة فسمحوا له بالدخول بعد تفقد هويته وإعطائه شارة الزائر. شوف يا نانوس عين أمك إنت لو بقيت كويس وبتسمع الكلام ومش عامل قلق في المدرسة دي جايز أسمحلك تزورنا مرة في الشهر غير كده صدقني السچن هيبقى أهون من اللي هتشوفه معايا. تحفز في وقفته وتصلب وسدد له نظرة ڼارية ليصيح بعدها بصوت مرتفع محموم بالڠضب أنا بكرهك. ارتسمت على تي ممدوح ابتسامة أكثر اتساعا وشماتة ليدنو منه برأسه قائلا ببرود قاس وأنا مابحبكش. استغل أوس اقترابه منه ليسدد له لكمة قوية برأسه نحو أنفه فأه بغتة بإة جسيمة تأوه ممدوح من الألم الشديد ووضع يده على أنفه النازف وهو يلعنه في حړقة يا ابن ال .... ابتسامة زهو علت ه لم يبد خائڤا أو مرتجفا منه ولم يفر من مكانه حتى ورغم كونه انتصارا زهيدا حسب معتقده إلا أن تأثيره كان واضحا على ممدوح الذي أخذ يتوعده في شراسة وهو لا يزال واضعا يده على أنفه وحياة أمك لأوريك يا ابن .. مهاب إنت مش هتخرج من هنا إلا على چثتي! .............................................. تورم أنفه كان واضحا وموجعا تنفس ممدوح الصعداء لأن الأمر لم يصل إلى الكسر وإلا لبات التشوه به دائما ومخجلا له خاصة وهو يعتمد على وسامة وجهه ولسانه المعسول لاصطياد ضحاياه. عاد إلى منزله الجديد الذي انتقل إليه ا للإقامة فيه مع زوجته بعدما تم إسعافه ليسرد عليها ما قام به ابنها من تصرف مشين غير مبرر. استهجنت بشدة فعلته وراحت تقول في صدمة حرجة إزاي يعمل كده أكد بع يشوبه قدرا من المزح السخيف أهوو ده اللي حصل الحمدلله إنه مكانش كسر ولا فقعلي عيني. استنكرت تصريحه ونفت عنه هذه العدائية بترديدها أوس استحالة يكون بالعڼف ده! أطلق زفرة بطيئة أتبعها استرساله بوجه شبه ممتعض للأسف ابنك معايا مش زي ما إنتي مفكرة سلوكه محتاج يتعدل كتير وأنا شايف إن تشديد المدرسة في صالحه هيفيد شخصيته. ارتعشت أطراف تهاني وبدا ذلك ملحوظا وهي تتحسس جبينها أولته ظهرها وراحت تمشي ببطء مبتعدة عنه وقد نكست رأسها في خزي لتهتف في ندم ممزوج بخيبة الأمل أنا خاېفة نكون استعجلنا في الخطوة دي كان لازم يفضل معايا! في خبث ملازم له اتجه ممدوح إليها دار حولها واستوقفها ثم مد يده نحو ذقنها ليرفع وجهها إليه رأى الحزن جسيما في حدقتيها فأسبل عينيه تجاهها وخاطبها في لين حبيبتي ابنك بيكبر كل يوم عن التاني وهو متمرد واخد صفات باباه وإنتي بنفسك مجربة طباعه العڼيفة إزاي مش هنستنى لحد ما ينحرف. اغرورقت عيناها بالدموع وأخبرته پألم متزايد ده طفل مايفهمش حاجة! وهو يطلب منها هدي أعك يا حبيبتي كل حاجة هتتحل احنا بس نرجع من التدريب اللي ورانا وبعدين ف صرفة. سحبت نفسا عميقا لتخنق به نوبة البكاء التي توشك على البدء فيها وأخبرته بتردد يشوب نبرتها مش حابة أسافر وأنا قلقانة عليه غيابه مأثر فيا. وهو يهمس في أذنها وأنا موجود عشان أنسيكي أي زعل. حاولت المناص منه بإظهار رفضها اللبق وهي تعتذر منه ممدوح مش وقته من فضلك. أصر على إغراقها في موجات حبه المضلة لئلا يترك لها مساحة من التفكير فتفسد ما يحاول فعله وقال و هو في أحلى من كده! كان كمن يملك مفتاح زمامها بعد عدة ملاطفات مدروسة استطاع أن يجعلها تضحك من جديد تشتهي وده وتتحرق إلى حنانه لتضطر أن ترجئ ما يقلقها لوقت لاحق حتى تشبع افتقادها للحب الصادق والاهتمام الزائد. سارت الأمور على ما يرام وتمت الاتفاقات الرسمية أخيرا لح مسألة الشراكة قانونية ومعلنة وللاحتفاء بذلك التحالف القوي أقيم احتفالا رسميا بأحد الفنادق الشهيرة حضره نخبة من رجال الأعمال البارزين وصفوة المجتمع الراقي بالإضافة لحشد من الإعلاميين والصحفيين لتغطية أخبار هذا الحدث الهام. بهيبة تليق بطلته ورزانة مرسومة على قسماته وقف على يمناها استعدادا لالتقاط الصورة الفوتوغرافية المخصصة لإحدى الجرائد القومية اختطف مهاب نظرة سريعة نحو هذه الفاتنة التي أسرت تفكيره لأسابيع كانت صعبة المنال كلما اقترب منها خطوة ابتعدت عنه بعشرة حتى باتت هوسه للظفر بها ومع هذا لم يتعجل في خطوات تودده إليها كان يضع في حسبانه كل شاردة وواردة تخصها فإن حانت اللحظة المناسبة ا عليها ونال
متابعة القراءة