رواية كواسر أخضعها العشق بقلم نورهان العشري
المحتويات
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
توقف بي قطار الحياة على عتبة الترقب أتطلع إلى كل ما يحدث حولي بسكون تام يتنافي مع ضجيج قلبي الذي لا يكف عن إرهاق عقلي بتلك التساؤلات المضنية
إلى متى ولماذا علي البقاء هكذا أشاهد فحسب فهل لم أعد أملك طاقة لكسر ذلك السكون الممېت والمضي بحياتي التي لم أملك زمامها يوما أم أن رغبتي في التلاشي التي تزداد يوما بعد يوم هي من تعيقني عن المتابعة من حيث وقفت
الأسئلة تطن بعقلي كالذباب والإجابات تراوغني أو أراوغها لا أدري ولكن من كل قلبي أتمنى لو أستيقظ ذات صباح من نومي أجدني امرأة اخرى مع أشخاص آخرين بزمان ومكان لا يشبهوا أي شيء مما يدور حولي
مع وصول أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار، يجد المواطن المصري نفسه مضطراً لموازنة استثماراته بين الذهب واحتياجاته الأخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار السيارات مثل تويوتا، هيونداي، وبي إم دبليو، مما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها.
تركت القلم من يدها أثر ضجيج الساعة التي تشير إلى الثامنة والنصف موعد استيقاظ طفلها الوحيد إياد والذي بلغ السنة الثالثة من العمر
ثلاث سنوات كان هو النور في وسط حياة باهتة لا معنى لها ولا لون زهرة حمراء مثمرة وسط حديقة سوداء قاحلة تشبة الچحيم الذي أسود من فرط احتراقه
خطت أقدامها بهدوء نحو مخدعه وانحنت تلثم رأسه بحنو سكبته حروفها حين نادته بخفوت
إياد صغيري هيا استيقظ
تململ الصغير بين يديها ورفرف برموشه السوداء الكثيفة التي اكتسبها من رجل حمل لقب زوجها لأربع سنوات وحاميها ومربيها لأربع وعشرين سنة!
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.
وأخيرا استيقظ بطلي الهمام
ارتسمت ابتسامة جميلة على فم الصغير قبل أن يقول بصوت متحشرج
صباح الخير يا أمي
احتوته بنبرتها الحنونة
صباح الورود يا قلب أمك اقترب لأعانقك
عانقت صغيرها فابتهج قلبها واكتست طرقاته بالورود فوجوده هو الشيء الوحيد الذي يضيء حياتها ويعطي لها معنى
هيا لنبدل ثياب النوم وننزل سويا لتناول الفطور
أجل يا أمي
بعد وقت قصير هبطت الدرج إلى الأسفل وتوجهت إلى غرفة الطعام وما أن خطت قدميها أعتاب الغرفة حتى توقفت إثر نداء والدتها الصارم
التفتت بصورة شبه آلية لتجد والدتها تقف أمام غرفة المكتب وهي تقول بصرامتها المعتادة
اتركي إياد لمربيته لتطعمه وتعالي أريد الحديث معك في أمر هام
ابتلعت غصة مريرة تشكلت في حلقها واومأت بصمت قبل أن تلتفت إلى صغيرها بعينين تعانق بهم الحزن والخيبة معا وقالت بنبرة خاڤتة
ستتناول فطورك مع ملك وسآتي بعدها لنلعب سويا اتفقنا
الطفل بإذعان
اتفقنا
سلمت الطفل إلى مربيته وتوجهت بأقدام متراخية وخطوات مترددة إلى غرفة المكتب وبداخلها تتضرع إلى الله ألا تخوض معركة أخرى مع والدتها فهذا هو المعتاد بينهما
يؤدي ارتباط أسعار الذهب وسعر صرف الدولار بتكاليف المواد الخام والاستيراد إلى تأثير مباشر على أسعار السيارات في الأسواق.
هكذا تحدثت نور بلهجة رسمية وملامح جامدة تشبه ملامح فريال التي قالت ببرود كان أكثر ما يميزها
صباح النور اجلسي لدينا ما نتحدث به
أطاعتها بصمت دام لثوان قبل أن تقول فريال بصوت جامد
لم لم تطلعيني على قرارك بشأن ما تحدثنا به قبل أسبوعين
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
عن أي قرار تتحدثين لا أتذكر شيئا
فريال بحدة طفيفة
لا تتغابي يا نور تعلمين تحديدا ما أتحدث عنه
خبأت الهواء الحارق بصدرها وواصلت جمودها حين قالت
لا أتغابى يا أمي ولكن حقا لا أعرف عما تتحدثين
فريال بنفاذ صبر
عن الزواج تحديدا زواجك!
ألقت الكلمة بوجهها الذي امتقع لثوان قبل أن تحاول السيطرة على ملامحها ونبرة صوتها حين قالت بجمود
عذرا يا أمي ولكننا أغلقنا هذا الموضوع في يومه لذا لم أتوقع أن تسأليني عنه الآن
فريال بجفاء
لم نغلقه ولن نغلقه فأنا أعطيتك فرصة للتفكير واليوم أريد أن أعرف قرارك
تجاهلت جفاءها وتابعت بهدوء
حسنا إن لم أوضح قراري يومها بالشكل المطلوب فسأخبرك الآن جوابي هو لا لن أتزوج مرة ثانية
زفرت فريال بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
سأعيد كلماتي لك مرة أخرى أنت ما زلت شابة صغيرة لا يمكنك البقاء هكذا للأبد
استفهام مرير خرج من فمها مرورا بقلبها
لم
فريال بحدة
لأن هذا أمر مرفوض و ضد الطبيعة كل امرأة تحتاج إلى رجل وخاصة إن كانت جميلة ومثقفة وذات أصل وثراء مثلك
ابتسامة ساخرة شوهت ملامحها الجميلة التي يقطر منها الڠضب والحزن
من المفترض أن يشعر المرء بالفرح من
تلك المميزات التي ذكرتها ولكن في حالتي أنا فأنا أمقتها لكونها ستجعلني أخضع لقرارت عائلتي الظالمة مرة أخرى
هبت فريال من مقعدها غاضبة وصاحت بإستنكار
قراراتنا الظالمة عن أي ظلم تتحدثين!
اندفعت أبخرة الڠضب إلى عقلها وبلغ السيل الزبى فهبت من مقعدها تصيح پغضب دون الانتباه إلى نبرتها التي تعدت حدود المسموح به
الكثير من الظلم ظلمكم لي حين أجبرتموني على التنازل عن حلمي بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة وممارسة هوايتي المفضلة بحجة أن الأمر لا يتناسب مع عائلتنا ولا مستواها الرفيع وإجباري على الالتحاق بكلية الهندسة لأشرف عائلتكم النبيلة ظلمكم لي بحبسي في هذا المنزل لسنوات وحرماني من الاستمتاع بحياتي بحجة أن قواعد عائلتكم الراقية لا تسمح لنا بالاندماج وسط باقي البشر ظلمكم لي حين أجبرتموني على الزواج وأنا بعمر العشرين من رجل لم أكن أخشى بحياتي سواه بحجة أنه ابن عمي
وهو الأفضل لي والآن بعد أن أستطعت استرداد أنفاسي الهاربة تريدون تزويجي مرة أخرى حتى تضمنوا أنني لن أشكل لكم أي عائق مستقبلي ألا يكفيك كل هذا الظلم في حقي
لونت الصدمة تعابيرها وبهت لونها لثوان قبل أن يتشعب الڠضب إلى داخلها فهدرت پعنف
هل جننتي أم ماذا أن نحافظ عليك ونؤمن مستقبلك تعتبريه ظلم أن نزوجك من خيرة رجال المجتمع الراقي والذي كانت تتهافت عليه جميع الفتيات لنيل نظرة واحدة منه تعتبريه ظلم ألهذا الحد أنت جاحدة ناكرة للجميل
نور پقهر
لست جاحدة أو ناكرة للجميل أنا فقط أريد أن أحيا مثل باقي البشر أن اتحكم بحياتي ولو لمرة واحدة لم أنا دائما مسيرة لم لا أملك زمام أموري مثل الجميع
فريال بتأفف
كفاك هراء تمتلكين حياة يحسدك عليها الجميع
نور بإندفاع
أمقت تلك الحياة بقدر ما يحسدونني عليها
فريال بنفاذ صبر
أخبريني لم ترفضين الزواج إن كنت تكرهين فراس وتنقمين على زواجك منه
زوبعة من المشاعر أثارها اسمه بداخلها أولها الخۏف الذي لا زالت تشعر به حين يأتي أحد على ذكره على الرغم من أنه ټوفي منذ أكثر من عام ولكن شبحه لا زال يطاردها أو لنقل خۏفها منه أصبح هاجسا لا يفارقها رغم مۏته
لم أكره فراس يوما ولكنه لم يكن فارس أحلامي ولم أشعر معه بأي شيء سوى الخۏف فقط
فريال باندهاش
بالله عليك ما هذا الكلام لم يؤذيك يوما لقد حماك ورعاك طوال عمرك لم يكن يسمح لأي شخص منا بالتعرض لك ولو بنظرة كيف تقولين ذلك
أغمضت عينيها لوهلة تتذكر هيئته الضخمة ووسامته الخشنة وعينيه التي كانت تحمل وهجا من شأنه إحراق الجميع بلحظة واحدة تخشاه ولا زالت! لم تستطع التغلب على خۏفها منه فقد كانت نبرة صوته باردة حادة كنصل السکين الذي تخشى أن يطال عنقها بأي لحظة
هدوءه مريب وغضبه مرعب تشعر وهي أمامه بأنها أمام أسد جسور قد تكون هي فريسته بلمح البصر ولن ينقذها أحد منه فمن يستطيع أن يقف أمام فراس النعماني!
لم الصمت الآن ألأن ضميرك يؤنبك تجاه فراس رحمه الله أم لأنك راجعتي نفسك بشأن قراراتك الغبية وآرائك المجحفة بحق عائلتك
فتحت عينيها اللتان اختلط بهما الألم والڠضب معا وجاءت نبرتها متحشرجة حين قالت
لا هذا ولا ذاك ولا زلت مصرة على موقفي لا أريد الزواج أريد أن أربي ابني وأحيا بهدوء وأرجو أن تحترمي قراري
جاءت لهجتها كالسيف الذي نحر عنقها حين قالت
يؤسفني ان أخبرك بأنني لا اهتم لموقفك ولن أعطي بالا لقراراتك الغبية وستتزوجين عاجلا أم آجلا يا نور
لم تفعلين معي هذا ألست ابنتك ألا تشفقين علي أبدا
تسلل خيط رفيع من الذنب إلى قلبها ولكنها تجاهلته وقالت بترفع
و هل كنت أفعل ذلك لولا أنك ابنتي وأريد مصلحتك
بلغ الألم ذروته بداخلها وهي تعلم بأنها خاسرة في هذه المعركة كما هي العادة فرقت نبرة فريال قليلا وهي تقول بإقناع
اسمعيني جيدا أعلم ماذا تعني الوحدة وكم أن الندم مرهق ولا أريدك أن ټندمي بعد فوات الأوان واعلمي أني لا أريد سوى سعادتك فكري
مليا
تجاهلت كلماتها التي لا تسمن ولا تغني من جوع وقالت بجفاء
إصرارك هكذا يوحي بأن هناك من تقدم لخطبتي هل ظني صحيح
تبدلت ملامحها إلى أخرى متحفزة حين قالت
نعم حدثك صحيح هناك من تقدم لخطبتك وينتظر موافقتك بفارغ الصبر
تشدقت ساخرة
أثرتي فضولي كثيرا هل لي أن أعلم من هو
اشتدت ملامحها وتبلور الترقب في عينيها وهي تقول
أشرف الرشيد
امتقع قلبها وانحبست الأنفاس بصدرها حين سمعت حروف اسمه الذي كان ذات يوم حلما لم تكن تملك الجرأة لإدراكه أو السماح له بأن يتجاوز حدود قلبها والآن يقف هذا الحلم على أعتاب حياتها ينتظر أن تفتح له الباب
أرى مقدار دهشتك وللعلم فأنا اعرف السبب خلفها لذلك واصلت الضغط عليك فأنا أعلم جيدا ما يحدث خلف الأبواب الموصدة
تربعت على المقعد خلفها بهدوء يتنافى مع ضجيج مشاعرها وتخبطات أفكارها بينما عكست عينيها صراعا مريرا بين بشاعة ما تشعر به وهول ما يحدث معها فيما اكتفت شفتيها باستفهام مزري
تعرفين ما يحدث خلف الأبواب الموصدة ومع ذلك وافقتي على إزهاق قلبي بتلك الطريقة
جفلت من سؤالها وهبت نافية عن نفسها تهم كلماتها
يجب عليك أن تفهمي أنه لم يكن بمقدوري فعل شيء فسابقا الوضع كان مختلفا منذ أن أبصرتي النور وأنت المختارة لفراس زواجك من رجل آخر غيره كان دربا من دروب المستحيل
ابتلعت غصة صدئة تشكلت بحلقها وقالت بمرارة
والآن تحقق ذلك المستحيل أليس كذلك
زفرت بحدة قبل أن تقول بلهجة معتدلة
أشرف يحبك منذ زمن ولكنه مثل الجميع كان يجب عليه احترام القواعد التي تربينا عليها
تشدقت ساخرة
اخرجي الحب من حديثنا يا أمي بالله عليك إنها القواعد كما قلت فبعد مۏت فراس لا يجب ترك أرملته هكذا لذا فالزواج هو أنسب الحلول
فريال بنفاذ صبر
لا تجعلي الأمر بهذا السوء لطالما شعرت بمشاعرك نحوه منذ أن
كنت مراهقة وأعلم انه كان فارس أحلامك بيوم من الأيام فلتتجاوزي عن كل ما حدث في الاربع سنوات الماضية ولتسعدي معه ما رأيك
مزقت ثوب الألم بابتسامة مريرة لم تصل إلي عينيها وقالت ساخرة
أحقا تسأليني عن رأيي أمي هل حددتي معه موعد الزفاف أم لا هيا أخبريني لا تخجلي
ضاقت ذرعا من حديثها الذي يحمل من الصواب الكثير وذلك الإحساس الغبي بالذنب الذي لا تعلم من أي جهة تسرب إليها فهدرت بنفاذ صبر
سأتجاوز عن تلك السخافات وسأعتبر أن هذه موافقة مبدئية
رفعت أحد حاجبيها ساخرة فتجاهلت فريال حديثها إذ قالت بجفاء
اقترح أن نعقد القرآن وتتاح لكليكما فرصة للتعرف إلى بعضكما عن قرب وبعدها سنحدد
موعد الزواج وهكذا لا يكون الأمر مجحفا لأحد ما رأيك
مرت شاحنة القدر فوق قلبها مرة أخرى بينما هي تقف كعادتها مكتوفة الأيدي تنظر إلى ما يحدث حولها وكأنه لا يعنيها بينما الأحداث تمر من خلالها وتضعها في طرقات مجهولة لا تعلم حتى إن كانت تمتلك القدرة على خوض غمارها
لا فرق عندي فلتفعلي ما ترينه مناسب كما تفعلين دائما
قالت جملتها الأخيرة بسخرية مريرة لم تخطئها فريال التي لاحقتها بأعين اختلط بها الشفقة والڠضب معا
بارك الله لكما وبارك عليكما
تمايلت هناء بجانب شاهين بدلال وهي تتلقي التبريكات والتهاني من الجميع بينما هو كان صامتا فقط ابتسامات خالية من المرح لم تصل إلى عينيه مجاملة للمهنئين ويديه تحتوي زوجته الجديدة وداخله شعور غريب لا يمت للفرح
حبيبي هيا لنرقص قليلا
هكذا تحدثت هناء بجانب أذنيه فأجابها بسخريته المعهودة
تعرفين أنني لن أقف بمنتصف الغرفة وأهز بخصري يمينا ويسارا لذا انسي الأمر
اغتاظت من حديثه وقالت بلوم
هل ستحزنني بيوم زفافنا
شاهين ساخرا
لم أخطط لذلك ولكن الأمر متروك لك
زمت شفتيها وقالت بعدم رضا
إذن سأرقص أنا
لم يتأثر قيد أنملة فقد اكتفى قائلا بملل
توقفي عن العبث واستمتعي بالقدر الذي أسمح لك به
أنهى جملته ثم أردف بغمزة محذرة
هذا أفضل للجميع
فهمت على الفور أن النقاش معه مضيعة للوقت فهي تعلم كم هو متملك غيور وقد كانت شخصيته تلك التي جذبت
انتباهها إليه إضافة إلى الأساسيات كونه محاميا لامعا وابن عائلة ثرية مع مزيج من الرجولة الفذة التي تتمثل في طول فارع وملامح خشنة بقدر وسامتها مع القليل من العبث والكثير من السخرية التي كانت جزءا لا يتجزأ منه
كان رجلا لا يقاوم يجذب النساء كما تجذب ألسنة اللهب الفراشات علي الرغم من كونه متزوج ولكن ذلك الأمر لم يشكل لها عقبة في اعتزامها على الفوز به والقبول بأن تكون زوجة ثانية وهي التي لم يسبق لها الزواج من قبل ولكنه كان إغراء من المستحيل عليها مقاومته وبعد محاولات وخطط دامت لستة أشهر ها هي الآن تصل إلى مبتغاها وتصبح زوجته
هيا سنكمل سهرتنا في مكان آخر
هكذا تحدث وهو يقودها بين الجموع دون أن يكترث لنظراتهم المستفهمة فقد تجاهل حتى الأسئلة الصريحة وتحرك بفظاظة وغرور يميزه ليخرج وهي معه إلى سيارته التي كانت فارهه تشبه كل شيء يمتلكه
عزيزي لقد تصرفت بفظاظة مع أصدقائي أظنهم غاضبون الآن
هكذا تحدثت هناء بدلال يشوبه اللوم فأجابها بفظاظة وعينيه مسلطتان على الطريق أمامه
عليهم أن يعتادوا حتى لا يغضبوا كثيرا في المستقبل
كلماته أثارت حنقها أكثر ولكنها حاولت أن تخفي ذلك قائلة برقة مفتعلة
وماذا لو أخبرتك بأنني أغضب من طريقتك هذه
أفرجت شفتيه عن ابتسامة ساخرة تشبه لهجته حين قال
باستطاعتي امتصاص غضبك حتى آخر قطرة فقط أخبريني عندما تكوني غاضبة
ردود ذلك الرجل قد تصيبها بجلطة دماغية ذات يوم لذا آثرت تغيير دفة الحديث وابتلاع حنقها إذ قالت بدلال
إلى أين تأخذني
ستعرفين بعد قليل
ابتلعت غصة غاضبة بحلقها ورسمت ابتسامة جميلة فوق ملامحها وهي تنظر أمامها بعد أن آثرت الصمت حتى تحافظ على الباقي من ثباتها أمام كتلة الوسامة والجليد القابع بجانبها
ماهي إلا ثوان حتى توقفت السيارة أمام أحد الفنادق والذي لم يكن فارها ولا من ضمن لائحه الفنادق التي يرتادها أفراد الطبقة المخملية فانكمشت ملامحها پصدمة ترجمتها شفاهها على هيئة استفهام مستنكر
لماذا توقفت هنا
أجابها بخفة أفزعتها
لقد وصلنا
لم تستطع إخفاء صډمتها ولا نفورها وهي تترجل من السيارة خلفه لتقع عينيها على بساطة المكان التي تتنافى بقوة مع جموح تخيلاتها عن كيفية قضاء ليلة زفافها بأرقى الأماكن في المدينة والآن ټحطم سقف توقعاتها العالية فوق رأسها وهي تخطو بجانبه إلى القاعة التي كانت دافئة تحمل طابعا شرقيا أنيقا تزينه شموع تفرقت بصورة مدروسة في جوانب المكان أضفت جوا حالميا دافئا في المكان الذي كان يتوسطه طاولة صغيرة تحمل مأكولات وحلويات كثيرة معدة لشخصين وبجانبها طاولة اصغر يوجد بها أنواع عديدة من المشروبات وقد صمم كل شيء بطريقة جميلة وأنيقة ولكنها لم تكن كافية لإرضائها فالتفتت تناظره پغضب انبعث من عينيها ولكنها حاولت تفاديه في نبرتها حين قالت
أهذا هو المكان الذي خططت لأن نحتفل به بزفافنا
لون
الصفاء معالمه وكذلك نبرته حين قال وعينيه تبحران حوله بإعجاب مثير لأعصابها
نعم ما رأيك أليس رائعاة
كنت أعلم أنه سيعجبك هيا لنحتفل
ابتلعت حنقها منه ومن هذا المكان اللعېن وتوجهت معه إلى الطاولة المعدة خصيصا لهما وجلست أمامه تنتظر النادل الذي أتى ووزع المشروبات بناءا على طلبها فلم تكن لها شهية للأكل وكذلك هو وهكذا انتصف الليل وهي جالسة معه تتجاذب أطراف الحديث بعد أن اقنعت نفسها بأن تغض بصرها عن كل شيء حولها ما عداه فهو هدفها وزوجها وغايتها الدائمة
يمر قطار العمر حاملا معه ذكريات وأحلام وربما أمنيات كانت مدفونة بين طيات قلوبنا التي أرهقها كثرة ما تحمله من أثقال لا نعلم بأي محطة سنسقطها أو ربما سنسقط نحن ونفارق ويا ليت الحياة تصنع لي معروفا وتغادرني مثلما غادرتها منذ أمدا بعيد فلا أنا أشعر بأنني على قيدها ولا هي تشعر بوجودي
نورهان العشري
انقضى أسبوع لا تعلم كيف مر عليها ولا كيف استطاعت التماسك
وهي ترى حياتها تمر من أمامها فقد جاء أشرف لخطبتها وتم الاتفاق على عقد القرآن بنهاية الأسبوع أي اليوم!
أجل اليوم سيعقد قرانها على ذلك الفارس الذي حلمت به ذات يوم لتستيقظ على كابوس انتمائها لآخر!
رجفة قويه ضړبت أنحاء جسدها الذي اهتز ما أن مر ببالها عينين متوهجة بنيران لا تعلم منبعها ولكنها لا تنضب أبدا كما لم ينضب خۏفها منه!
ماټ فراس اهدئي يا نور لم يعد موجودا لا داعي للخوف
صورتها المزرية في المرآة كانت كالشرارة التي أيقظت كبريائها الأنثوي الذي أبى عليها الظهور بمظهر العجوز الشمطاء وأيضا حفاظا على ما تبقى من ماء وجهها أمام الجميع والذين حتما يعلمون أنها مجبرة على هذه الزيجة
التقطت يداها أدوات زينتها وأخذت ترسم ملامحها بإتقان وكأنها لوحة وقعت فريسة لأيدي تتوق إلى التمرد وكسر جميع قيودها
نور هل انتهيت
هكذا تحدثت هدى وهي تدخل إلى الغرفة لتتصنم بمكانها حين التقمت عينيها تلك التي بدت كحورية هاربة من أحد العصور القديمة بذلك الزي الذي يعانق خصرها بقوة أظهرت مدي رشاقته يضيق من الأعلى ليبرز جمال منحنياتها ودقتها وينسدل في دوامات بسيطة تصل إلى أعلى كاحلها يتجانس لونه الزمردي مع شعرها الأشقر الذي رفعته إلى الأعلى في ثنايا متموجة حدت من طوله ليصل إلى منتصف ظهرها بينما تركت بعض الخصلات الهاربة من الجانبين لتشعراها بنوع من التحرر الذي تحتاجه
فيما كان وجهها كتمثال جميل نحت بأيدي فنان مبدع أتقن رسم تفاصيله بحرفية بدأ من جبهة عريضة بيضاء نضرة وعينين تعانقت بهما أشجار الزيتون يحاوطهما سياج من الرموش الكثيفة التي ظللتها بطريقة أضفت لها طولا وكثافة وأنفها الدقيق الذي يرتفع عند مقدمته يتوسط خديين تناثرت على ضفافهما الورود الحمراء التي شابهت لون ثغرها الممتلئ الذي يعلو ذقن دقيق فكان وجهها آية في الجمال الذي ضاعفه رقبة طويلة تزينت نهايتها بقوس مميز على هيئة عظمتي الترقوة البارزتان بإغراء من مقدمة ثوبها
أجل انتهيت
أجابتها نور متجاهلة صډمتها ولكن هدى لم تستطع إلا أن تقول بانبهار
أنت آية في الجمال يا نور فليحفظك الله
شوهت ملامحها الجميلة إبتسامة ساخرة أضفت مرارة قاسېة إلى لهجتها حين قالت
أحقا تدعين بأن يحفظني الله وأنا الذي ظننت بانك تكنين لي بعض المشاعر يا هدى!
تنافت ملامحها الجميلة مع تلك المرارة التي تقطر من حروفها وتنبعث من عينيها التي لم تفلح في تزيين نظرات الألم بهما لذا اقتربت منها هدي قائلة بلهجة يشوبها الشفقة
هوني على نفسك يا نور وأحسني الظن بالله فمن يعلم ماذا يخبئه الغد
اومأت برأسها في محاولة لتصنع اللامبالاة وهي تهندم ثوبها من الأمام قبل أن تقول بملل
صدقيني لم أعد أهتم هيا لننزل حتى لا نجعلهم ينتظرون أكثر
لم تستطع هدى أن تمرر ما حدث فرغما عنها تقدمت واحتوت نور بضمة قوية كانت الأقسى على ثباتها الذي تشحذه بكل الطرق فتبدلت نظراتها إلى أخرى ليلية ملبدة بسحب كثيفة قد ټنفجر في أي لحظة وهي في غنى عن ذلك لذا اكتفت بأن تربت بلطف فوق كتف هدى وتنتزع نفسها من بين ذراعيها بخفة تزامنا مع الطرق على باب الغرفة الذي انفتح وأطل منه عمها زين النعماني الذي كانت الشفقة تحيط بقلبه لأجل تلك الفتاة لسبب لا يعلمه ولكنه تجاهل ما يشعر به وهو يقول بوقار
مبارك لك يا نور تبدين رائعة
تمتمت بخفوت
شكرا لك
تساءل في حرج
هل أنت جاهزة لقد وصل الشيخ بالأسفل
ابتلعت غصة صدئة تشكلت في حلقها وقالت بجمود
نعم هيا لننزل
تأبطت ذراعه وخطت بأقدام تتوسل لها أن تهرب وتركض بعيدا عن هذا المكان وهؤلاء الناس ولكنها كانت أجبن من أن تفعل ذلك على الرغم من هذا الشعور المقيت الذي يهيج داخلها منذ البارحة حتى سلب النوم من عينيها بأن هناك کاړثة ستحدث!
زفرت بقوة وكأنها تريد أن تخرج خۏفها مع ذرات ثاني أكسيد الكربون ليتناثر في الهواء بعيدا
عنها ولكن كلما خطت
خطوة تعاظم الخۏف بداخلها أكثر حتى أن دقاتها صارت تتخبط بصدرها بطريقة مؤلمة جعلتها تتوقف عند أسفل الدرج لثوان تحاول تنظيم أنفاسها الهاربة ودقات قلبها الثائرة
ماذا هناك لم توقفتي
هكذا جاءها استفهام عمها لتبلل حلقها وهي تجاهد حتى تخرج كلماتها حين قالت بخفوت
لا شيء هيا لنكمل
أطلت بشمسها على أعين الموجودين التي اتسعت بعضها إعجابا وبعضها اندهاشا وآخر استنكارا ولكنها لن تكن في وضع يسمح لها بمراقبة ما يحدث فقد كانت بوادي آخر تجاهد لإخراج أنفاسها التي تثقل أكثر وأكثر حتى أصبحت على وشك الاختناق فلم تلحظ أنها جلست على طاولة عقد القرآن بجانب عمها وفي المقابل كان أشرف يناظرها بأعين تلتمع بوهج الحب والإعجاب الذي كان يقطر من نظراته ولكنها أيضا لم تلاحظ!
هيا لنبدأ
هكذا تحدث الشيخ وهو يمد إليها دفتره بيد وبالأخرى يناولها قلمه لتملئ الاوراق فلم تعرف ماذا دهاها شعرت بأن يديها تيبست ولم تستطع التحكم بها فتوقفت جميع الأعين عليها بترقب جعل دمائها تثور خجلا ورهبة ولكن جاء صوت زين لينقذها حين قال بوقار
هيا يا أشرف وقع أنت أولا ونور ستوقع بعدك
اومئ أشرف بصمت وقام بالتوقيع على الأوراق ثم مد يده الممسكة بالقلم إليها ووقع للحظة فريسة لعينيها الفاتنة التي بدت ضائعة تتململ كزورق تتقاذفه مياه الحيرة فلا هو يغادر مكانه ولا يذهب في طريق مرساه
هيا يا نور وقعي
أخرجها من بحر حيرتها صوت عمها الصارم
متابعة القراءة